فصل: من فوائد ابن تيمية في السورة الكريمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
سورة الهمزة:
{وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1)}
قوله: {هُمَزَةٍ}: أي: كثيرُ الهَمْزِ، وكذلك {اللُّمَزَة} الكثيرُ اللَّمْزِ. وتقدَّم معنى الهَمْزِ في ن، واللَّمْزِ في براءة. والعامَّةُ على فتحِ ميمِها على أنَّ المرادَ الشخصُ الذي كَثُرَ منه ذلك الفعلُ.
قال زياد الأعجم:
تُدْلِي بِوْدِّيْ إذا لا قَيْتَني كَذِبًا ** وإنْ أُغَيَّبْ فأنتَ الهامِزُ اللُّمَزَةْ

وقرأ الباقر بالسكون، وهو الذي يَهْمِزُ وَيَلْمِزُ، أي: يأتي بما يَهْمِزُ به ويَلْمِزُ كالضُّحَكَة لِمَنْ يَكْثُرُ ضَحِكُه، والضُّحْكة لِمَنْ يأتي بما يُضْحَكُ منه. وهو مُطَّرِدٌ، أعني أنَّ فُعَلَة بفتح العين لمَنْ يَكْثُرُ منه الفِعْلُ، وبسكونِها لمَنْ يكونُ الفعلُ بسببه.
{الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2)}
قوله: {الذى جَمَعَ}: يجوزُ جرُّه بدلًا، ونصبُه ورفعُه على القطع. ولا يجوزُ جَرُّه نعتًا ولا بيانًا لتغايُرِهما تعريفًا وتنكيرًا. وقوله: {جَمَعَ} قرأ الأخَوان وابن عامر بتشديدِ الميم على المبالغةِ والتكثيرِ، ولأنَّه يوافِقُ {عَدَّدَه} والباقون {جمَعَ} مخففًا وهي محتمِلَةٌ للتكثيرِ وعدمِه.
قوله: {وعَدَّدَه} العامَّةُ على تثقيل الدالِ الأول، وهو أيضًا للمبالغةِ.
وقرأ الحسن والكلبُّي بتخفيفِها. وفيه أوجهٌ، أحدها: أنَّ المعنى: جَمَعَ مالًا وعَدَدَ ذلك المالَ، أي: وجَمَعَ عَدَدَه، أي: أحصاه.
والثاني: أنَّ المعنى: وجَمَعَ عَدَدَ نفسِه مِنْ عَشِيرَتِهِ وأقاربِه، و{عَدَدَه} على هَذَيْنِ التأويلَيْنِ اسمٌ معطوفٌ على {مالًا} أي: وجَمَعَ عَدَدَ المالِ أو عَدَدَ نفسِه.
الثالث: أنَّ {عَدَدَه} فعلٌ ماضٍ بمعنى عَدَّه، إلاَّ أنَّه شَذَّ في إظهارِه كما شَذَّ في قوله:
إني أَجُوْدُ لِأَقْوامٍ وإنْ ضَنِنُوا

{يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3)}
قوله: {يَحْسَبُ}: يجوزُ أَنْ تكونَ مستأنفةً، وأنْ تكونَ حالًا مِنْ فاعل {جَمَعَ} و{أَخْلَدَه} يعني يُخْلِدُه، فأوقع الماضيَ موقعَ المضارعِ.
وقيل: هو على أصلِه، أي: أطال عُمْرَه.
{كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4)}
قوله: {لَيُنبَذَنَّ}: جوابُ قسمٍ مقدرٍ.
وقرأ علي رضي الله عنه والحسن بخلافٍ عنه وابنُ محيصن وأبو عمروٍ في رواية: {ليُنْبَذانِّ} بألفِ التثنيةِ، أي: ليُنْبَذانِّ، أي: هو ومالُه.
وعن الحسن أيضًا: {لَيُنْبَذُنَّ} بضمِّ الذالِ، وهو مُسْنَدٌ لضميرِ جماعةٍ، أي: لنَطْرَحَنَّ الهُمَزَةَ وأنصارَه.
والحُطَمَةُ: الكثيرُ الحَطْمِ. يقال: رجلٌ حُطَمَةٌ، أي: أَكُولٌ وحَطَمْتُه: كَسَرْتُه. والحُطام منه قال:
قد لَفَّها الليل بسَوَّاقٍ حُطَمْ

وقال آخر:
إنَّا حَطَمْنا بالقضيبِ مُصْعَبًا ** يومَ كسَرْنا أَنْفَه لِيَغْضَبا

قوله: {نارُ الله}، أي: هي نارُ الله.
{الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7)}
قوله: {التي تَطَّلِعُ} يجوزَ أَنْ تكونَ تابعةً لـ: {نارُ الله}، وأَنْ تكونَ مقطوعةً...
{فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9)}
قوله: {فِي عَمَدٍ}: قرأ الأخَوان وأبو بكر بضمتين جمعَ (عَمُود) نحو: (رَسُول ورُسُل).
وقيل: جمعُ عِماد نحو: كِتاب وكُتُب. ورُوي عن أبي عمروٍ الضمُّ والسكونُ، وهو تخفيفٌ لهذهِ القراءة. والباقون {عَمَد} بفتحتَيْن. فقيل: اسمُ جَمْعٍ لعَمود.
وقيل: بل هو جمعٌ له، قال الفراء: كأَدِيْم وأَدَم. وقال ابو عبيدة: {هو جمعُ عِماد} و{في عَمَدٍ} يجوزُ أَنْ يكونَ حالًا مِنْ الضميرِ في {عليهم}، أي: مُوْثَقِين، وأَنْ يكونَ خبرًا لمبتدأ مُضمرٍ، أي: هم في عَمَدٍ، وأَنْ يكونَ صفةٌ لمؤصدة، قال أبو البقاء: يعني: فتكون النارُ داخلَ العَمَدِ. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في السورة الكريمة:

قال عليه الرحمة:
سورة الهمزة:
قوله جل ذكره: بسم الله الرحمن الرحيم
{بسم الله} اسم من لا غرض له في أفعاله، اسم من لا عوض عنه في جلاله وجماله، اسم من لا يصبر العبد عن مختارا، اسم من لا يجد الفقير من دونه قرارا اسم من لا يجد أحد من حكمه فرارا.
قوله جلّ ذكره: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ}.
يقال: رجلٌ هُمَزَةٌ لُمَزة: أي كثيرُ الهَمْزِ واللّمزِ للناس وهو العيب والغيبة.
ويقال: الهُمَزَة الذي يقول في الوجه، واللُّمزة الذي يقول مِنْ خَلْفِه.
ويقال: الهَمْزُ الإشارةُ بالرأس والجَفْنِ وغيره، واللَّمْزُ باللسان.
ويقال: الهُمَزة الذي يقول ما في الإنسان، واللُّمَزَة الذي يقول ما ليس فيه.
قوله جلّ ذكره: {الَّذِى جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ}.
{جمَّع} بالتشديد على التكثير، وبالتخفيف.
{يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ}. أي: يُبْقِيه في الدنيا. كلاَّ ليس كذلك:
{كَلاَّ لَيثنبَذَنَّ في الْحُطَمَةِ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ التي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفِئْدَةِ}. ليُطْرَحَنَّ في جهنَّم.
{وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ}؟ على جهة التهويل لها. فهم في نار الله الموقدة التي يبلغ أَلَمُها الفؤاد.
{إِنَّهَا عَلَيْهِم مؤصدة}.
مُطْبَقة.
{فِى عَمَدٍ مُّمَدَّدَةِ}.
{عَمَد}: جمع عماد.
وقيل: إنها عُمُدٌ من نارٍ تُمدَّدُ وتُضْرَبُ عليهم؛ كقوله: {أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} [الكهف: 29].
ويقال: الغِنَى بغيرِ اللَّهِ فَقْرٌ، والأُنْسُ بغيره وَحْشَة، والعِزُّ بغيره ذُلُّ.
ويقال: الفقيرُ مَنْ استغنى بمالِه، والحقيرُ: مَنْ استغنى بجاهِه، والمُفْلِسُ: مَنْ استغنى بطاعته، والذليلُ: من استغنى بغير الله، والجليلُ: من استغنى بالله.
ويقال: بَيَّنَ أن المعرفة إذا اتَّقَدتْ في قلب المؤمن أحرقت كلَّ سْؤْلٍ وأَرَبِ فيه، ولذلك تقول جهنهّمُ- غدًا- للمؤمن: «جُزْ، يا مؤمن... فإنّ نورَك قد أَطْفَأَ لَهَبي»!. اهـ.

.من فوائد ابن تيمية في السورة الكريمة:

سورة الهمزة:
قال شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ:
فصل:
قوله: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} هُوَ الطَّعَّانُ الْعَيَّابُ كَمَا قال: {هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} وَقال: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ} وَقال: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} وَالْهَمْزُ: أَشَدُّ؛ لِأَنَّ الْهَمْزَ الدَّفْعُ بِشِدَّةِ وَمِنْهُ الْهَمْزَةُ مِنْ الْحُرُوفِ وَهِيَ نَقْرَةٌ فِي الْحَلْقِ وَمِنْهُ: {وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ} وَمِنْهُ قول النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ» وَقال: (هَمْزُهُ الموتة) وَهِيَ الصَّرْعُ فَالْهَمْزُ مِثْلُ الطَّعْنِ لَفْظًا وَمَعْنًى. وَاللَّمْزُ كَالذَّمِّ وَالْعَيْبِ وَإِنَّمَا ذَمَّ مَنْ يُكْثِرُ الْهَمْزَ. وَاللَّمْزَ فَإِنَّ الْهُمَزَةَ وَاللُّمَزَةَ هُوَ الَّذِي يَفْعَلُ ذَلِكَ كَثِيرًا و(الْهُمْزَةُ) و(اللُّمْزَةُ) الَّذِي يَفْعَلُ ذَلِكَ بِهِ. كَمَا فِي نَظَائِرِهِ مِثْلُ الضُّحْكَةِ وَالضُّحَكَةِ وَاللُّعْبَةِ وَاللُّعَبَةِ وَقوله: {الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ} وَصَفَهُ بِالطَّعْنِ فِي النَّاسِ وَالْعَيْبِ لَهُمْ وَبِجَمْعِ الْمَالِ وَتَعْدِيدِهِ وَهَذَا نَظِيرُ قوله: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ} فِي (الْحَدِيدِ) وَنَظِيرُهَا فِي الْمَعْنَى فِي (النِّسَاءِ) فَإِنَّ الْهُمَزَةَ اللُّمَزَةَ يُشْبِهُ الْمُخْتَالَ الْفَخُورَ وَالْجَمَّاعُ الْمُحْصِي نَظِيرُ الْبَخِيلِ. وَكَذَلِكَ نَظِيرُهُمَا: قوله: {هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ} وَصَفَهُ بِالْكِبْرِ وَالْبُخْلِ وَكَذَلِكَ قوله: {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ واستغنى} فَهَذِهِ خَمْسُ مَوَاضِعَ وَذَلِكَ نَاشِئٌ عَنْ حُبِّ الشَّرَفِ وَالْمَالِ فَإِنَّ مَحَبَّةَ الشَّرَفِ تُحْمَلُ عَلَى انْتِقَاصِ غَيْرِهِ بِالْهَمْزِ وَاللَّمْزِ وَالْفَخْرِ وَالْخُيَلَاءِ وَمَحَبَّةُ الْمَالِ تُحْمَلُ عَلَى الْبُخْلِ وَضِدُّ ذَلِكَ مَنْ أعطى فَلَمْ يَبْخَلْ واتقى فَلَمْ يَهْمِزْ وَلَمْ يَلْمِزْ وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمُعْطِيَ نَفَعَ النَّاسَ وَالْمُتَّقِيَ لَمْ يَضُرَّهُمْ فَنَفَعَ وَلَمْ يَضُرَّ وَأَمَّا الْمُخْتَالُ الْفَخُورُ الْبَخِيلُ فَإِنَّهُ بِبُخْلِهِ مَنَعَهُمْ الْخَيْرَ وَبِفَخْرِهِ سَامَهُمْ الضُّرَّ فَضَرَّهُمْ وَلَمْ يَنْفَعْهُمْ وَكَذَلِكَ {الْهُمَزَةُ الَّذِي جَمَعَ مَالًا} وَنَظِيرُهُ قَارُونُ الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَكَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ. وَمَنْ تَدَبَّرَ القرآن وَجَدَ بَعْضَهُ يُفَسِّرُ بَعْضًا فَإِنَّهُ كَمَا قال ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ الوالبي: مُشْتَمِلٌ عَلَى الْأَقْسَامِ وَالْأَمْثَالِ وَهُوَ تَفْسِيرُ: مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ.
وَلِهَذَا جَاءَ كِتَابُ اللَّهِ جَامِعًا. كَمَا قال صلى الله عليه وسلم: «أُعْطِيت جَوَامِعَ الْكَلِمِ».
وقال تعالى: {كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ} فَالتَّشَابُهُ يَكُونُ فِي الْأَمْثَالِ وَالْمَثَانِي فِي الْأَقْسَامِ فَإِنَّ التَّثْنِيَةَ فِي مُطْلَقِ التَّعْدِيدِ. كَمَا قَدْ قِيلَ فِي قوله: {ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} وَكَمَا فِي قول حُذَيْفَةَ «كُنَّا نَقول بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ: رَبِّ اغْفِرْ لِي رَبِّ اغْفِرْ لِي»، وَكَمَا يُقال: فَعَلْت هَذَا مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ فَتَثْنِيَةُ اللَّفْظِ يُرَادُ بِهِ التَّعْدِيدُ؛ لِأَنَّ الْعَدَدَ مَا زَادَ عَلَى الواحد وَهُوَ أَوَّلُ التَّثْنِيَةِ وَكَذَلِكَ ثَنَيْت الثَّوْبَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَرَّتَيْنِ فَقَطْ أَوْ مُطْلَقَ الْعَدَدِ فَهُوَ جَمِيعُهُ مُتَشَابِهٌ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا لَيْسَ مُخْتَلِفًا بَلْ كُلُّ خَبَرٍ وَأمر مِنْهُ يُشَابِهُ الْخَبَرَ لِاتِّحَادِ مَقْصُودِ الْأمريْنِ وَلِاتِّحَادِ الْحَقِيقَةِ الَّتِي إلَيْهَا مَرْجِعُ الْمَوْجُودَاتِ. فَلَمَّا كَانَتْ الْحَقَائِقُ الْمَقْصُودَةُ وَالْمَوْجُودَةُ تَرْجِعُ إلَى أصل واحد وَهُوَ اللَّهُ سبحانه. كَانَ الْكَلَامُ الْحَقُّ فِيهَا خَبَرًا وَأمرا مُتَشَابِهًا لَيْسَ بِمَنْزِلَةِ الْمُخْتَلِفِ الْمُتَنَاقِضِ. كَمَا يُوجَدُ فِي كَلَامِ أَكْثَرِ الْبَشَرِ وَالْمُصَنِّفُونَ الْكِبَارُ مِنْهُمْ يَقولونَ شَيْئًا ثُمَّ يَنْقُضُونَهُ وَهُوَ جَمِيعُهُ مَثَانِي؛ لِأَنَّهُ اُسْتُوْفِيَتْ فِيهِ الْأَقْسَامُ الْمُخْتَلِفَةُ فَإِنَّ اللَّهَ يَقول: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خلقنا زَوْجَيْنِ} فَذِكْرُ الزَّوْجَيْنِ مَثَانِي وَالْإِخْبَارُ عَنْ الْحَقَائِقِ بِمَا هِيَ عَلَيْهِ بِحَيْثُ يَحْكُمُ عَلَى الشَّيْءِ بِحُكْمِ نَظِيرِهِ وَهُوَ حُكْمٌ عَلَى الْمَعْنَى الواحد الْمُشْتَرَكِ خَبَرًا أَوْ طَلَبًا خِطَابٌ مُتَشَابِهٌ فَهُوَ مُتَشَابِهٌ مَثَانِي.
وَهَذَا فِي الْمَعَانِي مِثْلُ الْوُجُوهِ وَالنَّظَائِرِ فِي الْأَلْفَاظِ فَإِنَّ كُلَّ شَيْئَيْنِ مِنْ الْأَعْيَانِ وَالْأَعْرَاضِ وَغَيْرِ ذَلِكَ إمَّا أَنْ يَكُونَ أحدهُمَا مِثْلَ الْآخَرِ أَوْ لَا يَكُونَ مِثْلَهُ فَهِيَ الْأَمْثَالُ وَجَمْعُهَا هُوَ التَّأْلِيفُ وَإِذَا جَاءَتْ بلفظ واحد كَانَتْ نَظَائِرَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلَهُ فَهُوَ خِلَافُهُ سَوَاءٌ كَانَ ضِدًّا أَوْ لَمْ يَكُنْ وَقَدْ يُقال: إمَّا أَنْ يَجْمَعَهُمَا جِنْسٌ أَوْ لَا فَإِنْ لَمْ يَجْمَعْهُمَا جِنْسٌ فَأحدهُمَا بَعِيدٌ عَنْ الْآخَرِ وَلَا مُنَاسَبَةَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ جَمَعَهُمَا جِنْسٌ فَهِيَ الْأَقْسَامُ وَجَمْعُهَا هُوَ التَّصْنِيفُ وَدَلَالَةُ اللَّفْظِ الواحد عَلَى الْمَعَانِي الْمُخْتَلِفَةِ تُسَمَّى الْوُجُوهَ. وَالْكَلَامُ الْجَامِعُ هُوَ الَّذِي يَسْتَوْفِي الْأَقْسَامَ الْمُخْتَلِفَةَ وَالنَّظَائِرَ الْمُتَمَاثِلَةَ جَمْعًا بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ وَفَرْقًا بَيْنَ الْمُخْتَلِفَيْنِ. بِحَيْثُ يَبْقَى مُحِيطًا وَإِلَّا فَذِكْرُ أحد الْقِسْمَيْنِ أَوْ الْمِثْلَيْنِ لَا يُفِيدُ التَّمَامَ وَلَا يَكُونُ الْكَلِمُ مُحِيطًا وَلَا الْكَلِمُ جَوَامِعَ وَهُوَ فِعْلُ غَالِبِ النَّاسِ فِي كَلَامِهِمْ. وَالْحَقَائِقُ فِي نَفْسِهَا: مِنْهَا الْمُخْتَلِفُ وَمِنْهَا الْمُؤْتَلِفُ وَالْمُخْتَلِفَانِ بَيْنَهُمَا اتِّفَاقٌ مِنْ وَجْهٍ وَافْتِرَاقٌ مِنْ وَجْهٍ فَإِذَا أَحَاطَ الْكَلَامُ بِالْأَقْسَامِ الْمُخْتَلِفَةِ وَالْأَمْثَالِ الْمُؤْتَلِفَةِ كَانَ جَامِعًا وَبِاعْتِبَارِ هَذِهِ الْمَعَانِي كَانَتْ ضُرُوبُ الْقِيَاسِ الْعَقْلِيِّ الْمَنْطِقِيِّ ثَلَاثَةً: الْحَمْلِيَّاتُ وَالشَّرْطِيَّاتُ الْمُتَّصِلَةُ وَالشَّرْطِيَّاتُ الْمُنْفَصِلَةُ. فَالْأَوَّلُ لِلْحَقَائِقِ الْمُتَمَاثِلَةِ الدَّاخِلَةِ فِي الْقَضِيَّةِ الْجَامِعَةِ. وَالثَّانِي لِلْمُخْتَلِفَاتِ الَّتِي لَيْسَتْ مُتَضَادَّةً بَلْ تتلَازَمُ تَارَةً وَلَا تتلَازَمُ أُخْرَى.
وَالثَّالِثُ لِلْحَقَائِقِ الْمُتَضَادَّةِ الْمُتَنَافِيَةِ إمَّا وُجُودًا أَوْ عَدَمًا وَهِيَ النَّقِيضَانِ وَإِمَّا وُجُودًا فَقَطْ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ النَّقِيضَيْنِ وَإِمَّا عَدَمًا فَقَطْ وَهُوَ أَخَصُّ مِنْ النَّقِيضَيْنِ. فَالْحَمْلِيَّاتُ لِلْمِثْلَيْنِ وَالْأَمْثَالِ وَالشَّرْطِيَّاتُ الْمُنْفَصِلَةُ لِلْمُتَضَادَّيْنِ وَالْمُتَضَادَّاتِ وَيُسَمَّى التَّقْسِيمَ وَالسَّبْرَ وَالتَّرْدِيدَ وَالْبَيَانِيَّ وَالْمُتَّصِلَةُ لِلْخِلَافَيْنِ غَيْرِ الْمُتَضَادَّيْنِ وَيُسَمَّى التَّلَازُمَ. اهـ.